الكاتب : سمير بشة | موسيقى وجامعي، أستاذ محاضر في الموسيقى والعلوم الموسيقيّة، جامعة تونس، المعهد العالي للموسيقى
خلاصة :
إنّ تناول الموسيقولوجيا بالدراسة يبدو عملا ومطلبا طموحا لكنّه لا يخلو من مجازفة. فالموسيقولوجيا تفترض القطيعة مع الخطاب التقني الصرف حول الموسيقى وتتطلّع إلى خطاب جديد له مقاربات ومناهج ومفردات ومطارحات قائمة على السجال الفكري المنتهية نتائجه بالتحليل والبرهنة. ولتحقيق الحدّ الأدنى من هذا الطموح، تعرض هذه الورقة العلميّة المراحل الهامّة الّتي قطعتها الموسيقولوجيا عبر تاريخها منذ بداية القرن التاسع عشر وتطرح أهمّ القضايا والإشكاليات الأساسيّة التي ساهمت في تطورها وأدت تدريجيّا إلى تفرّعها ثم إعادة توحيدها من جديد. يأتي هذا المقال إذا ليُعرف بهذا المجال المعرفي من جهة، ويدعو كافة الباحثين إلى النظر وإعادة النظر في ما قيل، أو في ما يُفترض أنّه قد قيل في المسأليّة الموسيقولوجيّة من جهة ثانية.
اقرأ الخلاصة باللغة الفرنسية | اقرأ الخلاصة باللغة الانقليزية
-
- لذكر مصدر المقال : بشة، سمير، 2015: « ما الموسيقولوجيا؟ »، المركز التونسي للنشر الموسيقولوجي، https://ctupm.com/?p=371&lang=ar
- حمّل المقال في صيغة PDF.
1. تقديم
إنّ الحديث عن الموسيقى بمجرّد ذكر عناصرها ومفرداتها وتقنيّاتها، هو حديث غير مكتمل خاصّة إذا جاء على لسان الممتهنين لصناعة الموسيقى أو الموغلين في المعرفة الأكاديميّة الصرفة. من ناحية أخرى، كان لالتقاء الموسيقى بمجالات العلوم الإنسانيّة1 والدراسات التطبيقيّة، الدور الكبير في خلق أرضيّة معرفيّة جديدة مهّدت لاكتشاف الموسيقولوجيا2. كما أنّ تعدّد المدارس والتنظيرات والمقاربات والمفاهيم، أدّى تدريجيّا إلى تنامي الإشكاليّات المعرفيّة والقضايا المنهجيّة التي حالت دون القدرة على فهم هذا الاختصاص واستيعاب دقائقه. ففي هذا الحقل المعرفي، يتقدّم الباحث أحيانا ليمتهن مهنة المؤرّخ وعالم الاجتماع واللّساني والفيلسوف، وأحيانا أخرى مهنة عالم الصوت وعالم الرياضيّات وعالم الإثنولوجيا وعالم البيداغوجيا وعالم البسيكولوجيا وعالم الأنتروبولوجيا…، هي جملة من الانتسابات المعرفيّة جعلت من الموسيقولوجيا، على مدى عقود، محلّ انتقادات مثيرة حولها الكثير من التحفّظات. بصورة عامة وكتعريف إبراخيلي3، إنّ الموسيقولوجيا تسعى من خلال أبحاثها ونتائجها إلى فهم الغموض الموسيقي أوّلا، ثمّ إلى إفهامه عن طريق خطاب علمي واضح ودقيق (Becha, 2015, p. 78). يبدو أنّ هذا التعريف مغرٍ، ولكن ليس بإمكانه أن يضيف شيئا إذا ما أردنا فعلا الحصول على موسيقولوجيا متفحّصة ومتحذّرة. أملا في تحقيقي ذلك، جاء هذا المقال ليسأل مجدّدا سؤال الموسيقولوجيا ويعزّز مشروعيّتها ولزوميّتها.
2. اكتشاف المجال
ظهرت مفردة الموسيقولوجيا لأوّل مرّة سنة 1827 باللّسان الألماني تحت مسمى « Musickwessenschaft »، وقد برزت كعنوان لكتاب ألّفه البيداغوجيّ الألماني “يوهان بينهاند لوجيا” « Johann Bernhard Logier » وتمّت ترجمتها إلى الفرنسيّة بلفظة « Musicologie » وبدأ الاعتراف بها تدريجيّا في فترة الستينات من القرن 19. فإلى حدود النصف الثاني من القرن 19، لم تكن دراسة الموسيقى تعتبر كمادّة مستقلّة بذاتها بل كانت من المعارف العامّة التي تعطي بعض النظريّات المتعلّقة بتساؤلات هي بالأساس موسيقيّة، وقد دعا “كريساندر” (Chrysander) منذ سنة 1863 إلى ضرورة اعتبار الموسيقولوجيا علما مستقلا بذاته وجعلها على قدم المساواة مع بقيّة الاختصاصات العلميّة الأخرى (Duckles & Pastel, 2005) ، إلى أن تمّ اتّخاذها سنة 1868 كعنوان لمجلّة تهتمّ بالبحث الموسيقي، تصدر كلّ ثلاثة أشهر تشرف عليها جمعيّة البحث الموسيقي الّتي أسّسها “روبار آيتنر” (Duckles & Pastel, 2005) (Robert Eitner).
3. في تفرّع الاختصاص وتعدّد مناهجه
لقد تعدّدت وتراكمت الاختصاصات الموسيقولوجيّة منذ أواخر القرن 19 وتفرّعت إلى مجالات بحثيّة مختلفة. ولا يرتبط الاختلاف بين هذه الاختصاصات بقضيّة التعاريف والمفاهيم فحسب، بل يتّصل أيضا بالاختلاف داخل كلّ اختصاص من زاوية النظر التي ينطلق منها كلّ موسيقولوجيّ في معالجته للمسألة الموسيقيّة، كما تتأثّر تلك الاختلافات أيضا بالإشكاليّات التي تطرحها هذه المدرسة أو تلك وما تقترحه مستويات التحليل التي تتبنّاها وتؤكّد عليها.
إنّ الدور الأساسيّ الذي يضطلع به الموسيقولوجيّ هو الكتابة والحديث عن الموسيقى (Nattiez, 2010, p. 7) باستعمال خطاب ينتمي إلى مجال بحثي له أفكاره وأسلوبه وتركيباته اللفظيّة ومفرداته، هاته المفردات التي تدلّ على هذا الاختصاص، وهذه الأفكار والأساليب والتراكيب التي تدلّ على أصحابها (بشة، 2014، ص. 37).
لعلّه من المفيد أن نشير إلى أنّ في تاريخ البشريّة هناك قطبان، الأوّل يدعو إلى عقلنة الأشياء والثاني يبحث في ميتافيزيقا الأشياء، وعلى أساس ذلك جاءت الإيبستيمولوجيا بخطاب شديد اللّهجة لتضع حدّا فاصلا بين ما هو “علمي” وبين ما هو “لاعلمي” من خلال نقد المعرفة من داخل المعرفة ونقد الاختصاص من داخل الاختصاص. وقد اتّضح أنّ الموسيقولوجيا من بين العلوم الإنسانيّة التي تحمل خطابا علميّا قابلا للتطوّر والتجدّد والتنقيح، أي أنّها تخضع إلى النسبيّة المعرفيّة وأنّ كلّ النتائج المنبثقة عنها هي نتائج غير نهائيّة، وهي إحدى صفات العلوم الإنسانية وركائزها (قطاط، 2008، ص. 5) التي جعلت من الموسيقولوجيا المجال الأكثر اهتماما، ودون شكّ الأكثر صعوبة.
لقد جاءت الموسيقولوجيا لتنقل الخطاب من سيطرة النخبة الموسيقيّة إلى العامّة مع المحافظة على صفتها العلميّة كما أسلفنا ذكره. في هذا السياق يجب أن نميّز بين من يتحدّث عن الموسيقى وبين من يبحث في الموسيقى بناءً على منهج علميّ واضح ومقاربة تحليليّة دقيقة تعتمد المنطق ودرجة معيّنة من الثبات حسب الوسائل والإمكانيّات المتوفّرة، والمعرفة الدقيقة بمجال البحث الموسيقولوجيّ والقدرة على تجاوز العوائق الإيبستمولوجيّة في الحقل الموسيقولوجيّ وتفسير الظاهرة السببيّة واكتشاف الفرضيّات ذات الصلة بالموضوع الموسيقيّ والقدرة على التمييز بين القوانين الخاصّة والقوانين العامّة للمنظومة الموسيقيّة وتحديد الأهداف والتحرّي في إطلاق اليقينيّات والمواقف المباشرة والابتعاد عن الخطاب الإنشائيّ في اتّجاه تأسيس حامل خطابيّ دالّ على معاني ومعارف موسيقولوجيّة، هذا إلى جانب المعرفة الضروريّة بالنظريّة الاختباريّة والكميّة والإحصائيّة والتمييز بينها (Popper, 2000, p. 1-23).
4. أسس العلاقة بين الموسيقى والعلوم الإنسانيّة
تعدّدت الاختصاصات الموسيقولوجيّة وتراكمت منذ أواخر القرن التاسع عشر وتفرّعت إلى عدّة مجالات بحثيّة. ولا يرتبط الاختلاف بين هذه الاختصاصات بقضيّة التعاريف والمفاهيم فحسب، بل يتّصل أيضا بالاختلاف داخل كلّ اختصاص من زاوية النّظر التي ينطلق منها كلّ موسيقولوجيّ في معالجته للمسألة الموسيقيّة، كما تتأثّر تلك الاختلافات أيضا بالاشكاليّات التي تطرحها هذه المدرسة أو تلك وما تقترحه مستويّات التحليل التي تتبنّاها وتؤكّد عليها. وأمام هذا الكمّ الهائل والتفرّع “المفرط” لهذه الاختصاصات التي اجتمعت لتفسّر الموضوع الموسيقيّ، كان لزاما علينا فتح محاور ومعابر فكريّة لعلّها تمكّننا أوّلا من دحر الغموض الذي يحوم حول تداخل هذه الاختصاصات نظريّا ومنهجيّا، ومن البحث في السبل الكفيلة لمعالجتها وشرحها ثانيا.
إنّ النجاحات التي حقّقها علم الموسيقى بعد أن تطوّر ارتباطه الضيّق بالعلوم التاريخيّة ليتّسع إلى العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة قبل أن يشمل العلوم الصحيحة والتكنولوجيا بمختلف مجالاتها، ساعدت على إرساء رؤية جديدة مكّنت من تجاوز التوجّهات الثقافيّة الأوروبيّة الضيّقة التي تعتبر الموسيقى منهجا ارتقائيّا للعقل البشريّ ومعيارا للتطوّر الحضاريّ لدى الجنس البشريّ، معتبرة أنّ الموسيقى الكلاسيكيّة الغربيّة تمثّل المرجع الوحيد الذي يفسّر ويقيّم من خلاله بقيّة موسيقات العالم ! (قطاط، 2008، ص. 5).
لقد مثّل اجتماع “الموسيقى” بـــ”العلوم الإنسانيّة” تلاقحا مثمرا أدّى إلى بروز مجموعة من الاختصاصات الدقيقة من بينها “الاثنوموسيقولوجيا” وعلم “الاجتماع الموسيقيّ” و”علم السلالات والاجتماع الموسيقيّ” و”علم الإناسة الموسيقيّ” و”علم الآلات” و”علم الصوت” و”التداوي بالموسيقى” (قطاط، 2005، ص. 11) إضافة إلى ذلك، مضى كلّ من اختصاصي “الموسيقولوجيا المنهجيّة” و”الموسيقولوجيا التاريخيّة” يعملان في ميدان البحث العلميّ طوال سبعة عقود من القرن العشرين باحثين في الأوجه الكرونولوجيّة والتطوريّة للموسيقى مستعملين في ذلك الآليّات النظريّة للعلوم الإنسانيّة وما توصّلت إليه من نتائج ونظريّات.
كانت الدعوة في أواخر القرن التاسع عشر إلى الفصل بين الدراسات التاريخيّة والدراسات المنهجيّة ملحّة، وقد اشتمل الجانب التاريخيّ على تاريخ الموسيقى حسب الحقب والشعوب والإمبراطوريّات والدول والأقاليم والمدن والمدارس والفنّانين بشكل فرديّ كما تضمّن ببليوغرافيا الموسيقى ومجموعة الأشكال والتآليف الموسيقيّة لكلّ فترة كما حدّدها المنظّرون المنتمون إلى تلك الفترة وقد ظهرت عمليّا في الممارسات الفنيّة إلى جانب دراسة الآلات الموسيقيّة (Adler, 1885).
أمّا العلوم المنهجيّة الموسيقيّة فهي العلوم الرئيسيّة المطبّقة على جميع الفروع وتنقسم إلى أربعة :
-
- القوانين الموسيقيّة المهتمّة بالصوت والإيقاع واللّحن،
- استطيقا الموسيقى وخلفيّاتها التقنيّة مع مقارنة علاقتها بالمواضيع المطروحة وتقييمها،
- التعليم الموسيقيّ بصفة عامّة والهرمنة والنقاطيّة والتلحين والقيادة الأوركستراليّة والمهارات الصوتيّة والآليّة،
- البحوث الميدانيّة وما تتضمّنه من مقارنات إثنوغرافيّة تخصّ بالأساس الموسيقات الشعبيّة (Duckles & Pastel, 2005).
يعود الفضل في الاهتمام بدور الإنسان في النشاط الموسيقيّ إلى التطوّر المنهجيّ للدراسات التاريخيّة التي أخذت منذ أواخر القرن الثامن عشر وبتأثير من الفلسفة التاريخيّة تتراجع عن المنهج الوصفيّ وتستبدله بالمنهج الجدليّ الذي أحدث طفرة كبيرة في المعارف الإنسانيّة حيث أعطى الأولويّة لدراسة الإنسان كصانع لعمله ونشاطاته ممّا أثمر ظهور العلوم الإنسانيّة الحديثة التي أخذت شيئا فشيئا تحدّد المفاهيم ذات العلاقة بالموسيقى كنشاط نابع من الإنسان وموجّه إليه. فإلى حدود النصف الثاني من القرن التاسع عشر لم تكن دراسة الموسيقى تعتبر كمادّة مستقلّة بذاتها بل كانت من المعارف العامّة التي تعطي بعض النظريّات المتعلّقة بتساؤلات هي بالأساس موسيقيّة (Duckles & Pastel, 2005).
5. الموسيقولوجيا كآليّة للبحث الموسيقي
لكي تستقيم لدينا الرؤية في معالجة المواضيع المعنيّة بالبحث الموسيقيّ في كلّ أشكاله وأنماطه كما وضّحنا في مقدّمة ورقتنا هذه، كان لزاما علينا توضيح المراحل التاريخيّة والمنهجيّة التي مرّت بها الموسيقوولوجيا وتحديد تفرّعاتها النظريّة والاختباريّة. لكن علينا أن نقرّ أنّ ترجمتنا لكتاب “تمجيد الموسيقولوجيا” من جهة، ومطالعتنا لأهمّ ما نشر من أبحاث في تفرّعات الموسيقولوجيا من جهة ثانية، إضافة إلى ما قدّمناه من أشغال وظّفنا فيها بشكل صريح مقاربات العلوم الإنسانيّة، جعلنا نشدّد العزم على الاشتغال في مباحث الموسيقولوجيا وتفسير دقائق تنظيراتها.
تاريخيّا، يمكن تقسيم مجالات البحث الموسيقيّ إلى أربع مراحل :
1. مرحلة أولى اهتمّت باستعراض الأحداث الموسيقيّة وتاريخ المؤلّفات ومسيرة أصحابها والبحث في مكانتهم الفنيّة والاجتماعيّة وربما انتماءاتهم السياسيّة.
2. مرحلة ثانية اعتنت بتاريخ الموسيقى دون تحليلها أو نقدها بالكيفيّة التي نعرفها هذه الأيّام وهي مرحلة ظهور اختصاص فيلولوجيا الموسيقى4 بمفهومها وآليّاتها التقليديّة وفي هذا السياق يمكن الرجوع إلى المدرسة الفرنسيّة التي تزعّمها منذ أواخر القرن التاسع عشر كلّ من “بيار أوبري” (Pierre Aubry) و”جول كمباريو” (Jules Cambarieu) اللّذَينِ جمعا بين الفنّ والفيلولوجيا وعلم الاجتماع واثنوغرافيا الموسيقى، وتواصل ذلك إلى حدود فترة الخمسينات حيث تدعّمت ببعض المنهجيّات والمقاربات التي قدّمتها المدرسة الفرنسيّة بزعامة “جاك شايي”(Jacques Chailley) هذه المدرسة التي لاقت انتقادات كثيرة من المدرسة الألمانيّة التي أقحمت الموسيقيّ في الثقافيّ وأصبح الحديث عن التحليل السياقي من خلال اختصاص جديد أطلق عليه “الإثنوموسيقولوجيا”5، هذا التوجّه الذي تدعّم أكثر فأكثر مع المدرسة الأمريكيّة بإدماج الجانب الأنتروبولوجيّ بحيث أصبح الحديث عن الموسيقى هو الحديث عن الإنسان6.
3. مرحلة ثالثة اهتمّت بتاريخ الموسيقى من خلال الموسيقى وذلك بالاعتماد على مناهج عديدة أساسها المقارنة والتحليل وذلك بتفحّص العناصر والمكوّنات الموسيقيّة من خلال معالجة السلالم والنسب بين الأصوات الموسيقيّة والأجناس والأساليب، وهو ما سُمّي بـــ”الموسيقولوجيا النظاميّة” وهو اختصاص قديم في تصوّراته وحديث في مناهجه ومقارباته ووسائله (Aubert, 2012).
4. مرحلة رابعة اتّسمت بدخول ما يُسمّى بالاختصاصات المساندة مثل علم الاجتماع والفلسفة وعلم النفس وعلم الصوت والفيزياء والتكنولوجيا الحديثة والسيميولوجيا والعلوم السياسيّة وصولا إلى ما يُسمّى بالاختصاصات المجاورة (Haraszti, 1932, p. 97-103). إذن، وحسب النتائج الأوليّة التي توصّلنا إليها، تمّ التحوّل من المنهج التاريخيّ الذي يهتمّ بالأحداث إلى المنهج الوصفيّ فالمنهج التحليليّ من خلال النظريّة الموسيقيّة ومدارسها البنيويّة وصولا إلى منهج التحليل السياقي الذي أدّى شيئا فشيئا إلى تأسيس مشروع “الموسيقولوجيا الشّاملة” التي من خلالها تمّ التمهيد إلى أنتروبولوجيا الموسيقى (ناتي، 2011).
6. من تاريخ الموسيقى إلى الموسيقولوجيا التاريخيّة
تهتمّ مادّة تاريخ الموسيقى بدراسة الأحداث الموسيقيّة وتواترها عبر الحضارات أو جزء من تلك الحضارات ويعتبرها “أرمان” (Armand) أحد مجالات التّاريخ العام، فهي وليدة اختصاصها وتستعين بطرقها ومناهجها (Nattiez, 2009, p. 100)، كما تأخذ معنى المعرفة أكثر من معنى العلم وقد يتحوّل إلى علم في صورة وجود نظريّة تؤكّد أو تفنّد فرضيّة معيّنة تكون بمثابة القاعدة التي يرجع إليها الجميع للتّثبت من حدث أو فعل ما. السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق، هل علينا أن ننطلق من التّاريخ في اتّجاه الموسيقى أو من الموسيقى في اتّجاه التّاريخ ؟ لو نظرنا إلى القضيّة بكلّ موضوعيّة، لتأكّدنا أنّ الموسيقى هي الفاعلة والمؤسّسة للصيرورة التاريخيّة لذلك جاء اختصاص يعكس هذا القصد وهو ما اتّفق على تسميته حديثا بالموسيقولوجيا التاريخيّة وهو اختصاص يقرأ الأحداث بعد وصفها وتحليلها ثمّ التعليق عليها، وهنا يتعيّن على الباحث في هذا المجال أن يكون ذا معرفة ودراية بالشأن الموسيقيّ نظريًّا وتطبيقيًّا كي يتسنّى له الدخول إلى دقائق وتفاصيل معرفيّة أكيدة. إنّ الموسيقولوجيا التاريخيّة لها مجالات واختصاصات عدّة فقد يهتمّ البعض بالمنطقة العربيّة أو المغاربيّة أو أيضا بأوروبا عامّة أو بلدان أروبا الشرقيّة على سبيل المثال. كلّ ذلك غير كاف، إذ على الباحث في هذا الاختصاص أن يتموقع في زمن كرونولوجيّ محدّد كاختياره لفترة تاريخيّة معيّنة كتاريخ الموسيقى القديم أو الوسيط أو الحديث أو المعاصر، كما يمكن له أن يهتمّ بنمط موسيقيّ ينتمي إلى فترة تاريخيّة معيّنة مثل فترة ما قبل الإسلام أو الفترة العباسيّة أو أيضا بالمدارس العربيّة القديمة كالمدرسة العوديّة أو الطنبوريّة أو المنهجيّة أو الحديثة…، أو يهتمّ بتيّارات تخصّ عصور الموسيقات الغربيّة مثل الباروك والكلاسيكيّة والرومنطيقيّة والمعاصرة… أو بموجة موسيقيّة عرفت بكتابة معيّنة كالتوناليّة واللاتوناليّة والدوديكافونيّة أو البعض من موسيقات الشعوب المتواجدة في الكثير من أنحاء العالم التي نجد لها أنظمة وأساليب تميّزها عن غيرها. فتاريخ الموسيقى في بدايته هو موضوع يشغل الجميع الأطباء، المحامين، الفلاسفة، الصحافيّين، السياسيّين، الموسيقيّين، الإعلاميّين والمولعين بالموسيقى. لذلك نجده من أقدم الاختصاصات التي قدّمت للبشريّة معلومات حول الموسيقى عامّة، وعلى هذا الأساس جاءت الموسيقولوجيا التاريخيّة لتفرض علينا إلزاما بأن نكون متخصصّين في الموسيقى أوّلا ومهتمّين بالبحث في شأنها تاريخيّا، ثانيا.
7. فيلولوجيا الموسيقى
إنّ الفيلولوجيا كسائر العلوم الإنسانيّة، لا يمكن لها الاستقلال التّام عن بقيّة العلوم، إذ هي في حاجة إلى نتائج مجالات عدّة من العلوم تستخدمها حسب مناهجها الخاصّة للوصول إلى أغراض محدّدة. لذلك فهي بحاجة إلى كلّ من “علم الاجتماع” و”علم الأجناس البشريّة” أو “الأنتروبولوجيا” و”علم الوراثة” و”علم الحياة العام” و”علم الصوت” و”علم الجغرافيا البشريّة” و”علم النفس” و”علم النفس المعرفيّ” بالخصوص وغيرها من الاختصاصات الأخرى. تطلق أحيانا على دراسة لغة أو لغات من حيث قواعدها وتاريخ أدبها ونقد نصوصها، وأحيانا أخرى يراد بها دراسة الحياة ومنتجاتها على العموم في أمّة ما أو في طائفة من الأمم. ولكن أشهر التسميّات وأكثرها شيوعا اثنتان هما “علم اللغة” و”فقه اللغة”. لقد جاء في دراسات البعض أنّ “علم اللغة” و”فقه اللغة” غير مترادفين وأنّ المعارف التي يتضمّنانها مختلفة أشدّ الاختلاف.
إنّ التمييز بين فقه اللّغة وعلم اللّغة حديث، فعلم اللّغة لم ينتشر إلاّ في أواخر القرن التاسع عشر في حين أنّ فقه اللّغة هو علم تاريخيّ غايته معرفة الحضارات الماضية بواسطة الوثائق المكتوبة التي تركت على ذمة الباحثين من أجل فهم تلك الحضارات وتفسيرها. ففقه اللّغة إذن، هو العلم الذي يجعل من اللّغة موضوعا له، فيدرسها في ذاتها، ولذواتها وغايته – أي فقه اللغة – الكشف عن القوانين التي تحكم الظواهر اللغويّة بين العصور. ليست اللّغة موضوع الفيلولوجيا الوحيد، بل يهتمّ أصحابها كذلك بضبط النصوص وتأويلها والتعليق عليها، لذلك فهو يفضي بهم إلى أن يعتنوا بتاريخ الأدب والأخلاق والمؤسّسات وغيرها. فإن هُم اهتمّوا بدراسة المسائل اللغويّة، إنما يفعلون ذلك خاصّة للمقارنة بين نصوص من عهود مختلفة ولتحديد اللّغة الخاصّة بكلّ كاتب أو لرفع الالتباس عن الكتابات المنقوشة في لغة عتيقة أو غامضة من أجل تفسيرها (الأنطاكي، د.ت. وإيميل، 1982).
لقد أصبحت الفيلولوجيا متشكّلة في منظومات وقواعد تستعمل لاكتشاف ما غمض في الموسيقى وخفي منها. وعليه، فإنّ أيّ عمل موسيقي لا يُعدّ عملا فنّيا، إلاّ إذا كان في علاقة مع تأويل يعتمد الكتابة والخطاب اللّغوي؛ فكلّ كتابة موسيقية تقابلها كتابة لغوية نصّية أو كلامية. كما أنّ النقد والتأويل في فيلولوجيا الموسيقى لهما الدور الأساسي وفي الكثير من الأحيان يعطيان العمل المادّي مظهره الفنّي. وينتمي اختصاص فيلولوجيا الموسيقى إلى مجالات عدّة أصبح من الصعب تحديدها أو حصرها، فمن علم النفس إلى التاريخ إلى الفونيتيك « Phonétique » إلى اللكسيكوغرافيا « Lexicographie » إلى الفونولوجيا « Phonologie » إلى اللكسيكولوجيا « Lexicologie » إلى الإيبستيمولوجيا « Epistémologie »… معتمدة في مبحثها مناهج عدّة كمنهج الملاحظ والمنهج التجريبي والمنهج الآلي والمنهج المقارن. لقد تضامنت كلّ هذه العلوم لتتفحّص بشكل موضوعي المفاهيم المباشرة وغير المباشرة للأعمال الموسيقية. ولما كان من الصعب أن نفصل بين الفكر واللّغة، فإنّه من الصعب أيضا أن نفصل بين الفكر والموسيقى، باعتبار أنّ الموسيقى هي بناء فكري يعبّر من خلاله الإنسان عن ذاته ووجوده. فالموسيقى كـ”لغة” مسألة في غاية الأهمّية، وإذا اعتبرنا أنّ ذلك ممكن، فهي تدخل ضمن المقاربة الدلاليّة إحدى أسس اختصاص فيلولوجيا الموسيقى.
8. الموسيقولوجيا وتفرّعاتها
في تقدير “جون جاك ناتي”، إن التَّفَرُّعَ المفرط لمجالات الموسيقولوجيا، سببه أوّلا، أنّ كلّ فرع منها قد شهد تطوّرا ليُبَيِّن الجوانب الموسيقيّة التي كانت مُهملة من قبل الآخرين، لتلك الأسباب وعلى مرّ التاريخ شهدت الموسيقولوجيا العديد من التغيّرات. فمنذ بداية ظهور الموسيقولوجيا، ولفترة طويلة تقريبا، طالب كلّ فرع من الفروع المذكورة سابقا بوضعيّة تمتاز وتتّصف بالموضوعيّة، ولكن أمام تأثير النّسبَوِيّة والثَّقَافَوِيَّة التي تمّيزت بها فترة ما بعد الحداثة التي نعيشها اليوم، انتقل الجميع من “عصر الثّوابت” إلى “عصر الشّك”. إلاّ أنّ فترة التنقّل لكلّ فرع من هذه الفروع ليست نفسها، هذه الفروع التي تَتطوّر بشكل مختلف، مقارنة بما يجاورها. بل يمكن القول من خلال اختيار نموذجين متباعدين، أن المعْرِفِيِّينَ يعيشون دائما في عصر الثَّوابت، لأنّ اختصاصهم يرتكز في هذه الفترة على التجربة العلميّة، في حين أنّ النسبويّة الثقافيّة التي تمثّل الموقف المعاكس، تُهيمن إيبِسْتِيمُولُوجِيًّا على الإثنوموسيقولوجيا. علاوة على ذلك فإنّ خطاب الموسيقولوجيا، مثله مثل الخطاب الموسيقيّ، له شكل رمزيٌّ، أي أنّه نِتَاج الاستراتيجيّة الإبداعيّة البارزة في سياق تاريخيٍّ وثقافيٍّ مُعَيَّن، فتتحوّل هنا الموسيقولوجيا بشكل مختلف وفقا للبلدان وخصوصيّات ثقافاتها الإيبيستيمولوجيّة والعلميّة (ناتي، 2011، ص. 42-43).
تتموقع الموسيقولوجيا في الفجوة السيميولوجيّة الموجودة بين اللّغة والموسيقى، ولا يحقّ لها أن تخجل من وظيفتها المتمثّلة في البحث عن مَعْرفة قبل كلّ شيء. إنّه بحث صعب كما جاء في نظر الأنتروبولوجيّ “كلود لفيشتروس” (Claude Lévi–Strauss) في “افتتاحيّة” كتابه الشهير « Le cru et le cuit ». لكي نفهم التَّناقض، أو على الأقلّ الاختلافات العميقة التي قد توجد اليوم بين الباحثين في الموسيقولوجِيا الأوفياء لمقاربة كلاسيكيّة في ميدانهم، وبين ما يُمكن تسميته شرعيًّا بموسيقولوجيا ما بعد الحداثة، يكفي بأن نُلخِّص الخطوط المهيمنة للتوجّهات الأخيرة: إذ انحرفت موسيقولوجيا ما بعد الحداثة عن الثّقة الغائيّة من حيث التقدّم كخاصيّة جاءت بها الحداثة، أو كما جاء على لسان “رَامُونْ بِيلَنْسْكِي” (Ramon Pelinski)، “من قوّة تحرير العقل”. لقد أظهرت الموسيقولوجيا تخوُّفا واضحا تجاه مبدأ الحتميّة؛ من حيث توجّهاتها الإيبستيمولوجية التي هي أساسا نسبيّة؛ إذ تُؤَكِّد على الخصوصيّة الثقافيّة لمختلف أشكال الحدث الموسيقيّ؛ وتطالب بموقف غير استبداديّ، في الوقت نفسه إيلاء اهتمام خاصّ للأقليّات وخاصّة في ما يتعلّق بالجنس، ولا سيما النّساء اللاّتي تجاهلتهم الموسيقولوجيا التقليديّة (Somolos, Makis & Grabocz, Marta, 2011). وبما أنّ أكثر من مختصّ أو مختصّة في الموسيقولوجيا يطالبون اليوم بأفكار مُهيمنة ترجع إلى عصر الثّوابت، نجد أنفسنا في مواجهة أمام فكرة التعايش والتجاور السّلميّ لمختلف التصوّرات العامّة للموسيقولوجيا. ترتكز كلّ واحدة من هذه التصوّرات على معايير إيبستيمولوجيّة منفصلة تمّ اختراقها بطرق منهجيّة مختلفة. إذ يكفي أن نفكّر في التصوّر الوضعيّ للعلم والمفهوم “البُوبِرْيَانِي” (Poppérien) المُرَكَّز على إمكانيّة التحريف والتقدّم التّراكميّ للمعرفة، أو المقاربات البنيويّة من جهة والتأويليّة من جهة أخرى، حتى نميِّز من بينها وبشكل جيّد، توجّهات مختلفة وأحيانا متضاربة.
إنّ الوضعيّة أكثر تعقيدا من تنوّع المراجع العلميّة والنماذج المتأتّية في الكثير من الأحيان من اتّصال فروع الموسيقولوجيا مع اختصاصات أخرى كـ : التاريخ العام وتاريخ الفنّ والفلسفة والجماليّات واللسانيّات وعلم النّفس وعلم الاجتماع والأنتروبولوجيا. وعلى ضوء ذلك، وكنتيجة، نلاحظ وبكلّ بساطة خلطا علميّا يجد الطلبة والطالبات وكذلك الباحثون تُجاهه صعوبة في التَّموقع، في حين أنّ الأمر لم يكن دائما على هذا النحو. لقد وضع “قِيدُو أَدلارْ” (Guido Adler) سنة 1885 برنامجه التّأسيسيّ الشّهير للموسيقولوجيا الذي ميّز فيه فرعين كبيرين، بعد أن تركَّزت مواضيعها هذه الأيّام لدى البلدان الناطقة بالألمانيّة على الموسيقولوجيا التاريخيّة والموسيقولوجيا النظاميّة، كان في الواقع ينوي تأسيس وحدة الموسيقولوجيا7، لأنّ ما وراء التّمييز بين هذين الفرعين في هذا الاختصاص الجديد، هو البحث عن القوانين التي تتحكّم في تاريخ الموسيقى وسير الأنظمة الموسيقيّة وتُطوِّرهما على حدّ السّواء، أو علاقتهما بالثقافة والمجتمع. في محاولة لمساعدة الذين حصل لهم خلط جرّاء تعدّد تفرّعات الموسيقولوجيا. أراد “جون جاك ناتي” البدء بطلبته من خلال تحديد واقتراح بعض السّبل للتّفكير في الموسيقولوجيا كاختصاص موحّد، ما أطلق عليه تسمية “الموسيقولوجيا الشّاملة”، أي اختصاص يهتمّ في الوقت نفسه بمواضيع كلّ الأنماط الموسيقيّة الممكنة، دون استثناء، وينمّي المفاهيم والمبادئ والطرق التي تطبّق على كلّ الأنواع الموسيقيّة (ناتي، 2011، ص. 45).
9. الموسيقولوجيا المنهجيّة
هو اختصاص يهتمّ أساسا بمعايير البحث وقواعده من حيث الشكل وآليّاته وكذلك من حيث الوسائل الماديّة واللاماديّة ويهدف هذا الاختصاص إلى توجيه الطلبة الذين يتمتّعون بثقافة عامّة وبتكوين موسيقيّ وفنيّ هامّين والراغبين في الوقت نفسه في تناول بحوث موسيقولوجيّة. فهي تقترح عليهم طرقا للعمل ومقاربات جامعة للفعل الموسيقيّ. كما تستقطب فضولهم وتوقظ حماستهم لصالح الموسيقولوجيا التي قد تؤخذ من عدّة جوانب، قد تكون تاريخيّة أو أدبيّة أو تقنية أو تحليليّة أو إستطيقيّة أو غيرها. من ذلك، أنّها تبعث فيهم الكثير من التساؤلات لعلّ من بينها : ما هي المواضيع الموسيقولوجيّة الجديرة بالبحث ؟ ما هي مراجعها ؟ كيف تتمّ عمليّة جمع الوثائق الراجعة إليها بالنظر ؟ كيف تقع الاستفادة منها ؟ وكيف تحررّ وتقدّم نتائج البحث الموسيقولوجيّ ؟
يمثّل المنهج العلميّ في مباحث الموسيقولوجيا جملة العمليّات العقليّة والخطوات العمليّة التي يقوم بها الباحث من أجل الكشف عن “الحقيقة” والبرهنة عليها في إطار سياق فكريّ له سنداته المرجعيّة. وبما أنّ المواضيع الموسيقيّة تتمايز في طروحاتها وخلفيّاتها الفكريّة والفنيّة، فإنّها تختلف لزاما في مناهجها. لذلك، لا يمكن الحديث عن منهج خاصّ يستدلّ ويستعين به الجميع، فالأهمّ هو الالتزام بالتّوحد في إطار البحث ذاته، وليس توحيد المناهج وتطبيقها على جملة البحوث بتناقض مواضيعها وطروحاتها.
وقد لاحظنا أنّ ما يواجه الباحث من مشاكل حين يُقدم على دراسة ما في اختصاص الموسيقولوجيا، هو اختيار المنهج المتّصل بمجال بحثه في بعده النظريّ والتطبيقيّ والميدانيّ والتجريبيّ وغيرها من المناهج. وسعيا لضبط مراحل البحث من ناحيتي الشكل والمضمون، يطرح المجال صعوبة فكريّة يجد فيها الباحث نفسه منذ البداية أمام جملة من المصاعب منها ؛ اختيار الموضوع والأستاذ المشرف وكيفيّة جمع المادّة العلميّة ومن ثمّة تبويبها وتصنيفها بعد التثبت من صحّتها، طريقة تضمين المراجع حسب منهج “متّفق” عليه، كيفيّة طرح الإشكاليّة الأساسيّة والإشكاليّات الفرعيّة، العمل على الربط بين المحاور، الالتزام بالوضوح والدقّة، التحري، القدرة على التحليل والتأويل باستعمال آليّات فكريّة في بعدها المعرفيّ النقديّ، استعمال التكنولوجيا الحديثة. وبالرّغم من تواجد الكثير من المناهج المختصّة في هذا الغرض، ونظرا للاختلافات الحاصلة في استغلالها على مستوى التطبيقات، فإنّ الأمر يستدعي النّظر مجدّدا في المسألة دون الحسم فيها بشكل نهائيّ، بل من أجل الفهم والشّرح والتفسير قصد دفع الغموض الحجاب الذي يعيق الباحث في الكثير من الحالات أثناء عرضه لبعض الإشكاليّات التي هي شكليّة وجوهريّة في الوقت نفسه.
غير أنّه، لا يمكن الحصول على الصورة الواضحة والكاملة عن مناهج البحث إلاّ بعد الانتهاء من استعراض وكشف جميع قضاياها، أو على الأقلّ بعد التّقدم أشواطا بعيدة في دراستها. وقد مكّنتها تلك الدروس من طرح جملة من الأسئلة حاولنا الإجابة عنها في إطار نقاش تطارحناه مع الطلبة المعنيّين بهذه المسائل من البحث نورد أهمّها : ما هي المناهج المعتمدة في مباحث الموسيقولوجيا باختلاف طروحاتها النظريّة والتطبيقيّة والميدانيّة والتجريبيّة… ؟ ما هي أدواتها التقنية ؟ فيم تتمثّل أوجه الاختلاف بين تلك المناهج على المستوى العمليّ ؟ في أي سياق بحثيّ يمكن للأستاذ المشرف أن يتدخّل ويضيف اللّمسة الذاتيّة والموضوعيّة اللازمتين منهجيا؟ كيف يكون ذلك من خلال نماذج تطبيقيّة ؟ هل يمكن لنا الاستعانة بالمناهج الغربيّة وتطويعها لإنجاز أعمال وبحوث موسيقيّة عربيّة ؟ هل يطرح ذلك إشكاليّة فكريّة فنيّة بحكم التباين بين الثقافات والخصوصيّات الموسيقيّة ؟ هي جملة من الأسئلة التي قد يجيب عنها اختصاص الموسيقولوجيا المنهجيّة (Weber, 1980).
10. الموسيقولوجيا المقارنة
يطرح استعمال صيغة “الموسيقولوجيا المقارنة” أكثر من إشكال لدى الباحثين، لذلك حاولنا الاستقصاء في الموضوع والبحث في أسباب هذا الإشكال، وقد تدعّمت بحوثنا في هذا المجال حين تولّينا تدريس هذه المادّة لطلبة الماجستير نظام قديم. وبناءً على ما توصّلنا إليه من نتائج في هذا الغرض، اتّضح أنّ هذا الاختصاص يندرج ضمن مجالات أبحاث الموسيقولوجيا ويعتني بخصوصيّات النّظم الموسيقيّة وتبيان المقاربات والفروقات بينها وقد ظهر في بدايته كمحاولة غربيّة متواضعة لدراسة الموسيقات غير الأوروبيّة قصد استيعابها.
لقد ميّز “فيتيس”، الأب المؤسّس للموسيقولوجيا المقارنة، بين الشعوب ووصف البعض منها بالذكيّ والآخر على أنّه أقلّ ذكاء وقام بربط علاقة متينة بين الجانب الوراثيّ في هذا المستوى وبين الجانب الموسيقيّ في شكله النظاميّ، وقد استخلص أنّ الشعوب التي تتّصف بالبدائيّة بسبب ضعف ذكائها -على حدّ قول “فيتيس”-، تكون آلاتها الموسيقيّة بدائيّة وكذلك أنظمتها (Haraszti, 1932, p. 110). وعلى ضوء ذلك يكون قد صنّف الأجناس البشريّة على أساس اختلافاتهم في المنظومة الموسيقيّة، وانطلاقا من هذه المواقف وغيرها، كانت مقارباته ونتائج أبحاثه غارقة في المركزيّة العرقيّة إلى أقصى حدودها. إنّ الاختلاف في السلالم الموسيقيّة بين الشعوب لا يعني أنّ هذه الشعوب ليس لها تواصل في ما بينها، كما أنّ التشابه بين نظام موسيقيّ وآخر لا يعني ضرورة أنّ هذين النظامين ينتميان إلى نفس المجموعة البشريّة (Haraszti, 1932, p. 110). فيكون من الخطأ إذن تقييم أهميّة موسيقى لشعوب معيّنة من خلال عدد درجات سلّمها أو عدد أوتار آلاتها (Haraszti, 1932, p. 110).
عرف القرن العشرين عدّة تطوّرات منهجيّة عملت على أسلبته وتشكيله في صيغة مبحث متميّز بانفتاحه على ميادين العلوم الإنسانيّة والأنتروبولوجيا وفيزياء الصوت. يبدو أنّ الانطلاقة الحقيقيّة لهذا الاختصاص كانت في بداية القرن العشرين إثر ظهور عدّة مقالات ودراسات غربيّة اهتمّت بتحليل السلالم الموسيقيّة وتدعّمت تلك الأبحاث بفضل ابتكار آلة الفونوغراف وتعميم استعمالها وهو ما ساهم في توثيق موسيقات الشعوب ومن ثمّة تحليلها وقد تشكّلت تبعا لذلك عدّة مدارس ساهمت في بلورة اختصاص الموسيقولوجيا المقارنة وتطوير مناهج بحثه. ومن بين هذه المدارس نذكر المدرسة الألمانيّة “مدرسة برلين” ومن أعلامها “كارك ستامف” (Carl Stumf : 1848-1936) و”أوتو براهام” (Otto Braham : 1872-1926) و”فون هورونبوستل” (Von Hornbostel : 1877-1935) الذين وضعوا اللّبنات الأولى لأوّل مدرسة اعتنت بهذا الاختصاص كعلم مستقلّ بذاته وقد اهتمّوا بالبحث عن المبادئ العقليّة المشكّلة للأنساق الموسيقيّة وذلك بتحليل المسافات اللّحنيّة ونظم التعديل وقياس السلالم وترتيب الآلات الموسيقيّة ضمن عائلات. ثمّ نجد المدرسة الأمريكيّة التي اهتمّ أصحابها بإبراز الخصائص الموسيقيّة القابلة للتعريف بالجماعات البشريّة الصانعة لها ومن أعلامها “جورج أرزوغ” (George Herzog : 1901-1984) و”هيلان روبرتز” (Helen H. Roberts : 1888-1985). ثمّ جاءت مدرسة أوروبا الشرقيّة ومن أهمّ أعلامها “بيلا بارتوك” (Béla Bartok : 1882-1945) و”زلطن كودالي” (Zoltan Kodaly : 1882-1967) اللّذان اهتمّا بدقّة اختيار العيّنات المدروسة وتضمين كلّ الروايات الواردة في عمليّة توثيق الأرصدة الموسيقيّة باعتبارها عناصر أساسيّة لكليّة النموذج لا مجرّد إضافات يمكن الاستغناء عنها. أمّا بالنسبة للمدرسة الفرنسيّة فقد تشكّلت انطلاقا من الأطروحات التي قدّمتها المدرسة الأمريكيّة من خلال “جاب كانست” (Jaap Kunst : 1891-1960) و”ألان مريام”(Alain Merriam : 1923-1980) و”جون بلاكينغ” (John Blacking : 1928-1990) وذلك موازاة مع رواج التيّارات البنيويّة التي عمّت طيلة فترة الستّينات والسبعينات من القرن الماضي حقل العلوم الإنسانيّة8 للتغيير من مجال البحث في ميدان اختصاص الموسيقولوجيا المقارنة وذلك بتعديل دراسة الظواهر الموسيقيّة من منظور موسيقولوجيّ إلى منظور أنتروبولوجيّ مع تأكيد استغلال آليات علم اللسانيّات معتبرين الموسيقى نتاجا ثقافيّا لا يمكن الإحاطة به إلاّ بدراسة بنيته الاجتماعيّة المفرزة له، بل طالت هذه التحوّلات المنهجيّة اسم الموسيقولوجيا المقارنة ليطلق عليه منذ صدور كتاب “جاب كانست” (Jaap Kunst) تسمية اثنوموسيقولوجيا وإن بقي بعض الباحثين يستعملون التسمية القديمة من حين لآخر تبعا لخلفيّات فكريّة وإيديولوجيّة إلى أن اختفت مع نهاية القرن العشرين (Merriam, 2000).
11. الإثنوموسيقولوجيا
مواصلة لما جاء في المحور السابق من إشكالات واختلافات في المفهوم والمنهج بين الموسيقولوجيا المقارنة والاثنوموسيقولوجيا أظهرت البحوث التي قمنا بها في هذا المجال أنّ هذه الأخيرة قد ظهرت سنة 1950 في أحد مقالات قدّمها “جاب كانست” (Jaap Kunst) تعويضا لصيغة “الموسيقولوجيا المقارنة” « Vergleichende Musikwissenschaft »، هذا الاختصاص الذي جاء في حدّ ذاته لكي يعوّض كلمة الموسيقولوجيا « Musikwissenschaft » التي وضعها “قيدو أدلار” (Guido Adler) منذ سنة 1885 والتي لا تخلو هي الأخرى من اهتمامات إثنوغرافيّة. فالكثير من المختصّين في الاثنوموسيقولوجيا هذه الأيّام لهم تحفّظات حول استعمال هذه المفردة نظرا لاحتوائها لمركزيّة عرقيّة واضحة المعالم (Diamond, 2006).
لا يتعيّن الاختصاص الإثنوموسيقولوجيّ بدراسة المجموعات والأقليّات، بل ينطبق على كلّ منطقة جغرافيّة في العالم، ففي الكثير من الأحيان نوجّه طلبتنا إلى مناطق ريفيّة بعيدة عن المدينة مثل أرياف كسرى وفرنانة وقلعة السنان وتالة والسند والمرازيق ونفزاوة والمهاذبة وغمراسن على أساس أنّ تلك الجهات لم تقع دراستها من الناحية الاثنوموسيقولوجية. أريد أن أذكّر في هذا الشّأن بأنّ المقاربة الإثنوموسيقولوجية تتمثّل في نظرة الباحث إلى موضوع بحثه وليس إلى منطقة جغرافيّة ما، وعليه تكون المناطق المتيسّرة والمتمدّنة عمرانيّا واجتماعيّا وثقافيّا معنيّة هي الأخرى بالدراسة الإثنوموسيقولوجيّة. وقد نتفطّن في دراستنا الإثنوموسيقولوجيّة إلى جزئيّة تقرّ أنّ ما نسمّيه نحن المختصّون بموسيقى هي ليست كذلك في نظر ممارسيها وهو ما يتطلّب منّا ضرورة دراسة الموضوع الموسيقيّ دراسة سياقيّة ووظائفيّة. من وجهة نظر اثنوغرافيّة، هل ستهتمّ الإثنوموسيقولوجيا أكثر فأكثر بالسياقات الثقافيّة، وتتّخذ منعطفا جديدا منذ ستّينات القرن الماضي؟ مستندة على وجوديّة ثانية للموسيقى كما بيّنها “مريام” (Merriam) قائلا : « إنّ الموسيقى هي نتاج الإنسان وتحمل هيكلا خاصّا بها، هذا الهيكل الذي لا يمكن أن يكون له وجود خاصّ به إذا تمّ فصله عن ناتِجِه » (ناتي، 2011، ص. 39).
12. الموسيقولوجيا التحليليّة
يمثلّ هذا الاختصاص أهمّ الفروع الموسيقولوجيّة التي تناولناها بالشرح والدرس، وقد أخذ منّا حيّزا كبيرا في تعيين تقنيّاته، كما كان له الدور الكبير في ترسيخ بعض المناهج التحليليّة التي وظّفناها عمليّا في مجمل أشغالنا التي تفرّعت مواضيعها بين البحوث المتعلّقة بالتجارب الموسيقيّة المعاصرة والفنون الغنائيّة الركحيّة والفنون البصريّة. لقد ظهرت الموسيقولوجيا التحليليّة على إثر ما لوحظ في النظريّات التقليديّة القائمة من نقائص في معرفة الفعل الموسيقيّ داخل سياقاته. لقد شاهدنا خلال القرن العشرين ظهور نماذج من التحليل الموسيقيّ أكثر دقّة وتفصيلا، مقارنة بالنماذج التحليليّة البنيويّة التي اعتمدت الترقيم الهارمونيّ التَعَلُّميّ والمميّزات الأسلوبيّة بكلّ سماتها الكبرى. إنّ نشر ثلاثة كتب تلخّص التحليل الموسيقيّ في فترة الثمانينات (1980) ، لِـ”بَنْتْ” (Bent) (1980-1988) وَ”كُوكْ” (Kook) (1987) وَ”دانسبي وتالد” (Dunsby–Xhittald) (1988) يُبيِّن حداثة وتأثير نماذج “شَنْكَارْ” (Schenker) و”َرُوَاي” (Ruwet) وَ”ماير” (Meyer) وَ”فورت” (Forte) وَ”لِيرْدَالْ دْجَاكَنْدُفْ” (Lerdahl–Jackendof)، التي ينبغي أن يُضاف لها اليوم كتاب الأسلوبيّة الموسيقيّة لِـ”بَرُنِي دَلْمُنْتِي جَاكُوبُونِي” (Baroni–Dalmonte–Jacoboni). ولكن فيم تتمثّل أهمّية هذه النماذج الجديدة، من حيث الوضوح والصراحة، مقارنة بالكمّ الهائل من الممارسات الموسيقيّة المتشابهة؟ أهمّ شيء، أنّها تلزم الجميع بتوضيح مستوى عناصر الأشكال الموسيقيّة التي يمكن أن تنطبق على التأثيرات السياقيّة التاريخيّة والثقافيّة والاجتماعيّة، هذا إن وجدت هذه التأثيرات. يرى “ناتي” في هذا الصدد أنّ المزيد من الاتّصال العضويّ بين التاريخ وسوسيولوجيا الموسيقى والإثنوموسيقولوجيا والنّماذج الفكريّة في استعمالات المحلّلين، بإمكانه أن يتجنّب في هذه الفروع الثلاثة، مخاطر الاختزاليّة الماركسيّة التي لم تكن سوى مثال صارخ، هذا بالرغم من عثورنا على النّمط نفسه من التفكير خارج ذلك التفكير : وهو الذي يتضمّن التفحّص، ثم استعادة الحقائق الموسيقيّة الاختباريّة، من حيث المفاهيم العامّة للإنسانيّة ومن حيث المجتمع أو الثقافة كحقائق مبدئيّة. ولكن في الوقت نفسه، فإنّ تجنّب الوقوع في الاختزاليّة من خلال التقاء التحليل والموسيقولوجيا التاريخيّة وسوسيولوجيا الموسيقى والإثنوموسيقولوجيا مع التأكيد على هذه المجالات البحثيّة المختلفة بضرورة مواجهة وتدعيم نتائجها، من شأنه أن يضيف المزيد من الأسس لبناء موسيقولوجيا مُوحّدة. لذلك، لا يمكن للدراسات السياقيّة التاريخيّة والاجتماعيّة والثقافيّة أن تجد أهميّتها إلاّ من خلال القيام بأوصاف محدّدة للمادّة الموسيقيّة استنادا إلى نماذج مماثلة. ما سبق أن أشرنا إليه إلى حدّ الآن، يشكّل في حدّ ذاته أحد المبادئ الأساسيّة لبناء موسيقولوجيا شاملة (ناتي، 2011، ص. 62-63).
13. أنتروبولوجيا الموسيقى
إنّ الذي يعنينا في سياق تفكيرنا، هو تحوّل الأنتروبولوجيا إلى علم يبحث بطرق ووسائل وآليات منظّمة، من أجل معرفة ثقافات مختلف الشعوب والمجتمعات، والكشف عن مصادر تلك الثقافات، وطبيعة مكوّناتها وملامحها، والعلاقات المتبادلة بين الثقافة والنّظم والأنساق والأبنية الاجتماعيّة، دون اعتبار للخلفيّة العنصريّة من منطلق اللّغة والدين والتاريخ والانتماء العرقيّ. وبما أنّ الإنسان هو المركز الأساسيّ في الفكر الأنتروبولوجيّ من خلال دراسة حياته في إطار محيطه، فإنّ ما اكتشفه باحث الأنتروبولوجيا من خصائص موسيقيّة داخل الكلّ الثقافيّ والاجتماعيّ، من شأنه أن يناقض جلّ المفاهيم التي أسّستها الموسيقولوجيا في مراحلها الأولى. لذا سنتوخّى منهجيّة نابعة من طبيعة الموضوع، ألا وهي الإضافات التي جاءت بها أنتروبولوجيا الموسيقى إلى الموسيقى خاصّة وأنّ الأنتروبولوجيا عموما تحتاج في مباحثها إلى مجمل العلوم الإنسانيّة من تاريخ وجغرافيا وعلوم ثقافيّة وعلوم اجتماعيّة وعلوم سياسيّة وعلم نفس ولسانيّات.
1.13 موضوع أنتروبولوجيا الموسيقى
من التحوّلات التي شهدها علم الأنتروبولوجيا، كونه أصبح لا يقتصر على الثقافات التي سمّيت في الأوّل “بدائيّة”، بل أصبحت تهتمّ أيضا بالشعوب المسمّاة “متحضّرة”. وإن كان علم الاجتماع قد اهتمّ بالشعوب “المتحضّرة” والأنتروبولوجيا بالثقافات “البدائيّة”، فإنّ أنتروبولوجيا الموسيقى وجدت نفسها معنيّة بكلّ المجتمعات والثقافات من خلال البحث العلمي. إلاّ أنّ دراسة التّفاعل بين الثقافات والموسيقات تفرض علينا حذرا شديدا، مردّه أنّ مفهوم المثاقفة9، وإن كان يعني في ظاهره الاندماج والتضافر والاحترام والتسامح والاعتراف بمبادئ الاختلاف، فإنّ تدخّل أطراف إيديولوجيّة وأفكار سياسيّة وخلفيّات دينيّة وتاريخيّة تجعلها تتقاطع في بعض الأحيان مع فكرة التثاقف10 التي تعني علاقة اللاتكافؤ بين الثقافة المُهَيْمِنة والثقافة المُهَيْمَن عليها.
رغم أنّ الموسيقى حاضرة في جميع الثقافات، فإنّ المعلومات المتحصّل عليها من قبل باحثي أنتروبولوجيا الموسيقى، لا تؤخذ في الكثير من الحالات بعين الاعتبار إذ تهتمّ في مباحثها بالأنظمة الموسيقيّة والإيقاعات والآلات والإطار الفرجويّ الاحتفاليّ للعمل الموسيقيّ ومظهره المسرحيّ في الإطار الثقافيّ الذي يوجد فيه، مستعينة بعلم الآلات وبالمسرح والعلوم الثقافيّة والعلوم الاجتماعيّة وعلم النفس السمعيّ واللّغة التي تتكلّم بها المجموعة وانعكاساتها على اللّغة الموسيقيّة وبذلك فهي تصبّ اهتماماتها في علاقة الموسيقى بالثقافة التي تكوّنت فيها عبر الأزمان التاريخيّة بناء على التواصل البشريّ.
إضافة إلى ذلك، خلقت أنتروبولوجيا الموسيقى مجالات جديدة في التعامل مع الموسيقات الشعبيّة و”الإثنيّة” من خلال دراسة عروض موسيقيّة تقام خارج إطارها الثقافيّ، كامتزاج آلات موسيقيّة غربيّة كالأورغ والكنترباص والقيتار…، مع آلات تقليديّة كـ”الستار الهنديّ” و”الرباب” بأنواعه و”العود” و”القمبري” و”القوقاي” و”القصبة” و”الفحل”…، وقد مهّدت في البداية إلى هذه المبادرات أعمال “بارتوك” (Bartók) و”كودالي”(Kodaly) و”أورف”(Orff) وغيرهم من الموسيقيّين الذين أعادوا كتابة تلك الموسيقات بالأسلوب الهارمونيّ الأوركستراليّ.
من جهة أخرى، ترى أنتروبولوجيا الموسيقى أنّ الموسيقى لا ترافق المرحلة الامتلاكيّة التي يعيشها الشخص الممتلك، بل تخدم الإطار الصوتيّ والحركيّ. لذلك، فهي لا تعتبرها من كماليّات الطقس، بل من أهمّ العناصر التي تخدم الحدث الطقسيّ ومن دونها لا يمكن الحديث عن ممارسة “إثنيّة” حقيقيّة. كما اهتمّت أنتروبولوجيا الموسيقى بمكانة أو وضعيّة الموسيقيّ في حقله الثقافيّ والاجتماعيّ وبكيفيّة تفكيره وممارسته لموسيقاه، وبكيفيّة نظرة المجموعة التي يعيش بينها إليه. كما تطرّقت أنتروبولوجيا الموسيقى إلى دراسة الأنظمة الموسيقيّة لتلك الموسيقات داخل محيطها الثقافيّ والاجتماعيّ.
ومن المواضيع التي عالجتها أنتروبولوجيا الموسيقى، الاهتمام بمظاهر الاحتفال والاحتفاليّة في إطار الحقل الاجتماعيّ الثقافيّ. لقد نُظِر إلى هذه الاحتفاليّة على أنّها مُمَسرحة وتخضع إلى أنشطة إنسانيّة تعوّد عليها الجميع، وإلى سياقات ومراحل وأنشطة لها بداية ونهاية، تتكرّر في كلّ حدث ثقافيّ، تجمع بين الموسيقى والإطار الذي توجد فيه كممارسة فنّية يعبّر من خلالها الإنسان عن وجوده داخل مجتمعه الضيّق، سواء أتعلّق الأمر بالطقس في مرحلة الامتلاك أو أثناء الصيد وغيرها من الأنشطة الحياتيّة الأخرى.
لقد تعرّضت أنتروبولوجيا الموسيقى إلى قيمة المتفرّج في المشاركة في الظاهرة الثقافيّة، واعتبرته أحد الأطراف في مسرحة الإطار والحدث الثقافيّ. وترى أنتروبولوجيا الموسيقى أنّه إذا كانت الفرجة تبدأ بحضور المتفرّج، فإنّ الفرجويّ لا يهتمّ فقط بذلك الحضور بقدر ما يعطي الأهميّة للعلاقة الحقيقيّة بين صانع الفرجة والمتفرّج. فمنذ العصور القديمة، تعتبر الألعاب الرياضيّة الخطيرة التي عرضت في المسارح اليونانيّة كالمصارعة مع الحيوانات المفترسة أو الثيران المتوحّشة من الأشكال الفرجويّة، لا لشيء، إلاّ لأنّها تشتمل على مخاطر قد تودي بحياة المشاركين فيها، وقد ينطبق الأمر كذلك على ما نشاهده من ممارسات خطيرة تقوم بها الطرق الصوفيّة في تونس كالعيساويّة على سبيل المثال من خلال رقصة السيّاف أو التعامل مع الأشواك أو أكل التين الشوكيّ واللحوم النيّئة…
إضافة إلى كلّ ذلك، اكتشفت أنتروبولوجيا الموسيقى العديد من الآلات الموسيقيّة والفضاءات السمعيّة وأماكن الإنتاج الموسيقيّ التي تُمارس فيها تلك الموسيقات، كأغاني الفلاّحين وأغاني عمّال المناجم وأغاني البحّارة وأغاني الإنشاد الصوفي والذكر والمدائح والنواح وغيرها من التعابير.كما جعلت أنتروبولوجيا الموسيقى للأذن، إلى جانب دورها الطبيعيّ المتمثّل في الاستماع، دورا سمعيّا شرطيّا تحكمه العادة والتقاليد والثقافة ومختلف الأنساق الحياتيّة، فالأذن تتعوّد على طريقة سمع معيّنة، فهي تسمع وتنظر وتلاحظ في الوقت نفسه. وهذه الصّفة قد اكتسبها باحث الأنتروبولوجيا من خلال البحوث الميدانيّة التي تعوّد القيام بها.
2.13 الأسس النظريّة
لقد أسّست أنتروبولوجيا الموسيقى مجالات تفكير غير التي كانت قد أسّستها الموسيقولوجيا التي تنطلق من الموسيقى المكتوبة، فهي تنطلق من البحث الميدانيّ من خلال الاستماع والمشاهدة والملاحظة والمساءلة والتدوين والتحليل والتفسير والتأويل والمقارنة والاستنتاج. ولعلّ من أهمّ الأشياء التي أضافتها أنتروبولوجيا الموسيقى إلى الموسيقى، كونها جعلت منها ممارسة تتميّز بالاستمراريّة بما أنّها متّصلة بالكلّ الثقافيّ الذي يتميّز كذلك بالحركيّة والتغيّر، وتتأتّى تلك الاستمراريّة من خلال السلوك التواصليّ الذي تمتاز به المشافهة الموسيقيّة بين الأشخاص الممارسين للموسيقى.
من خلال الفهم الجديد للموسيقى في هذا العالم، قد نجد باحثين تونسيين مهتمّين في أعمالهم بموسيقى اليونان أو المجرّ أو فرنسا أو الباكستان…، ويستوجب هذا بطبيعة الحال، فهم سياق الأنظمة والقيم والعقائد، أي ثقافات تلك الشّعوب ومن بينها الموسيقى التي وجدت فيها، وهذا يحتّم على الباحث أن يعيش لفترة طويلة داخل تلك الأنساق الثقافيّة من أجل فهم لغة شعوبها وديانتها وطريقة أكلها ولباسها وأفراحها ومآتمها وتزاوجها وطباعها وطقوسها الدينيّة والدنيويّة…، وخاصّة البحث في موقع تلك الموسيقى ضمن الأنساق الثقافيّة ذات الصلة. لذلك فإنّ الحصول على أشرطة مسجّلة لكلّ النماذج الموسيقيّة المتعلّقة بالبحث، دون التنقّل إلى ميدان الحدث الموسيقيّ يعدّ عملا غير كاف – رغم قيمة تلك التسجيلات -، إذ أنّ الميدان في هذا العلم هو البحث في ظاهرة اجتماعيّة ثقافيّة بأكملها، لا يمكن فهمها إلاّ في إطارها الطبيعيّ (السيالة، 2007، ص. 27).
3.13 الأسس التحليليّة
أمّا من حيث التحليل الموسيقيّ، فإنّ أنتروبولوجيا الموسيقى قد خلقت مجالات جديدة في التحليل حيث ربطتها مع الإطار الثقافيّ والاجتماعيّ، وأعطتها أبعادا دلاليّة من خلال قراءة الأشكال والألوان والحركات والرقصات المصاحبة للموسيقى بالاستعانة بعلم الدلالات. وقد ارتأت أنّه لا يمكن إسقاط نظريّة تحليل الموسيقى الغربيّة على أشكال وأنماط موسيقيّة أخرى، تعيش في إطار ثقافيّ وتخضع إلى سياق تاريخيّ مستقلّ وبعيد كلّ البعد عمّا تمتاز به الموسيقى الغربيّة الكلاسيكيّة. لذلك، ترى أنتروبولوجيا الموسيقى أنّه من الضروريّ وضع العمل الموسيقيّ في إطاره التاريخيّ والاجتماعيّ والسياسيّ والثقافيّ حتى لا يتمّ إسقاط نظريّات أو تقنيّات حديثة نحلّل من خلالها أعمالا تقليديّة. فالتحليل السيميولوجيّ مرتبط بضوابط اجتماعيّة وثقافيّة، وكلّ ظاهرة ثقافيّة تولّد تساؤلات لدى باحث أنتروبولوجيا الموسيقى، وقد انتقلت فكرة التحليل السياقيّ هذه إلى الكثير من محلّلي الأعمال الغربيّة المعاصرة. فالموسيقى في نظر باحث أنتروبولوجيا الموسيقى، هي مجموعة دلالات تواصليّة داخليّة مترابطة، لا يمكن التغافل عنها. وبذلك سقطت فكرة التحليل الموسيقيّ الصّرف الذي عرفت به الموسيقى الغربيّة الكلاسيكيّة نحو تحليل سياقيّ يضع في تصوّره الثقافة والمجتمع والدين والتاريخ وعلم النفس… (ناتي، 2011).
لقد كشفت أنتروبولوجيا الموسيقى من خلال بحوثها عن وجود أنماط موسيقيّة عديدة متجاورة في كلّ ثقافة، منها الموسيقى الشعبيّة، الموسيقى الحضريّة، موسيقى “السود”، موسيقى “البيض”، الموسيقى المكتوبة، موسيقى التقاليد الشفويّة، التثاقف الموسيقيّ والمثاقفة الموسيقيّة…، وبذلك أصبحت هذه المفردات أساسيّة وهي تمثّل حاليّا مفاتيح البحث في أنتروبولوجيا الموسيقى. كما بحثت أنتروبولوجيا الموسيقى في تقنيّات تناقل هذه الموسيقات بين الأشخاص الممارسين لها وغير الممارسين لها، من خلال التعليم التقليديّ الشفويّ الذي يعتمد على التكرار والمحاكاة الدقيقة للأشياء وغيرهما من التقنيّات الأخرى. ولئن سلّمنا بأنّ لكلّ علم أسلوب خاصّ ومنهج متّفق عليه، فإنّ أنتروبولوجيا الموسيقى تنتهج في طريقتها السياق الفكريّ الذي يحدّده المعطى التاريخيّ والثقافيّ والاجتماعيّ من خلال الكشف الميدانيّ. وإذا اعتبرنا الأمر كذلك، فإنّ دراستنا هذه غير منتهية وتبقى متواصلة تنتظر من يجعلها منطلقا للتفكير من أجل اكتشافات جديدة وللوقوف على إضافات أخرى قدّمتها أنتروبولوجيا الموسيقى إلى الموسيقى. بقي علينا أن نؤكّد أنّ أهمّ التحوّلات التي شهدتها أنتروبولوجيا الموسيقى لصالح الموسيقى، تمثّلت في تغيير فكرة القراءات النهائيّة للعمل الموسيقيّ وجعلت من الحدث الثقافيّ المصدر الدائم للتباين والاختلاف، كما أنّها جعلت من الموسيقى المصدر السمعيّ والمشهديّ الفاعل في الحدث الثقافيّ. من جهة أخرى، عملت أنتروبولوجيا الموسيقى في جوهرها، على مقارنة أوجه الاختلاف والتماثل بين الموسيقات وتحليلها، وعلى اعتبارها منبع التنوّع في الممارسة والأنظمة الموسيقيّة مستعينة في ذلك بكلّ الاختصاصات العلميّة.
إنّ الذي يعنينا في كلّ هذا، هو ملاحظة ما ترتبط فيه أنتروبولوجيا الثقافة بأنتروبولوجيا الموسيقى ودورهما في خلق مجالات تفكير جديدة تخدم الموسيقى والإنسان من خلال تأطير الموسيقى داخل الحقل الثقافيّ.
4.13 الأسس الإيتيقيّة
من إيتيقا باحث أنتروبولوجيا الموسيقى، الالتزام بالأمانة، وإن اعتبرنا ذلك ممكنا، فإنّ العكس يعدّ خيانة علميّة ومهنيّة قد تضرّ بالاختصاص من جهة، وبالإنسان مركز التفكير الأنتروبولوجيّ من جهة أخرى (بشة، 2012، ص. 94). ولتحقيق ذلك، يمعن باحث أنتروبولوجيا الموسيقى النّظر في الكثير من الجزئيّات منها: طريقة العزف وطريقة الجلوس وطريقة التعامل مع الفضاء السمعيّ، إلى جانب دراسة الجرس السمعيّ للآلات الموسيقيّة المستعملة وطريقة صنعها ومقاساتها، وتدوين موسيقى الشعوب المعنيّة بالدرس بأساليب متعدّدة ومتنوّعة بالاستعانة بعلوم متفرّعة، مثل الإثنوموسيقولوجيا وعلم الآلات والموسيقولوجيا وعلم الآثار الموسيقيّ وعلم الصوت الموسيقيّ وغيرها.
ومن أهمّ الأشياء التي قدّمتها أنتروبولوجيا الموسيقى إلى الموسيقى في هذا الإطار، المحافظة على الرصيد الموسيقيّ من خلال التسجيلات الصوتيّة، ولعلّ ما يقوم به مركز الموسيقى العربيّة والمتوسّطيّة بسيدي بوسعيد بتونس11 يدخل في هذا الإطار العام. كما أنّ بعض الأعمال والمحاولات التي يقوم بها الطلبة لمعرفة مختلف الأنماط الموسيقيّة الموجودة في تونس من خلال رسائل ختم الدروس، من البوادر الجيّدة التي تنمّ عن دراية ووعي بأهميّة تلك الموسيقات التي تعتمد على النقل والمشافهة من خلال الممارسات الثقافيّة داخل النسق الحياتيّ والاجتماعيّ، فتسعى إلى جمعها وتدوينها وتحليلها في الإطار الثقافيّ.
لقد حقّقت أنتروبولوجيا الموسيقى كذلك نوعا من العدالة الإنسانيّة، فهي تهتمّ بموسيقى الإنسان في مختلف أنحاء العالم دون تمايز أو تفاضل، وتتعامل مع الموسيقى بشكل مستقلّ وتنظر إليها وتحلّلها داخل سياقها الثقافيّ وإيقاعها الحياتيّ. إلاّ أنّه، وإن وجدت غايات أخرى مازالت تعتبر أنّ دراسة ثقافة الآخرين وموسيقاهم تدخل في سياسة الهيمنة الثقافيّة والسياسيّة، فإنّ ذلك لا يمكن اعتباره من وجهة نظرنا ضمن أنتروبولوجيا الموسيقى، فهو خارج سياق مقاربتنا ويهمّش قضيّتنا ولا يمكن أن يفيد الموسيقى والإنسان، بل بالعكس، فهو يشكّل اعتداء على العلم والمعرفة وعلى الإنسان في حدّ ذاته.
تلك هي بعض الإضافات التي قدّمتها أنتروبولوجيا الموسيقى إلى الموسيقى. وإن سعينا في هذه المرحلة إلى تحديد العناصر والآليّات ومدلولاتها والأبعاد النظريّة والتطبيقيّة التي قسّمناها إلى أربعة عناصر كبرى، فإنّ ذلك لن يمنعنا مستقبلا من إعادة النظر في ما تمّ التطرّق إليه، خاصّة في ما يتعلّق بالمناهج المعتمدة في البحث وإشكاليّات التحليل السياقيّ وتقنيّاته وأساليبه.
14. خاتمة
إنّ قراءة الكتب في اختصاص الموسيقولوجيا لا يمكن لها أن تصنع موسيقولوجيّا. في حين أنّ الدخول في التجربة الموسيقولوجيّة والتفكير في مواضيع دقيقة يمكن أن يساعدنا على فهم الموسيقى من جهة ويحرك فينا اليقظة الموسيقولوجيّة من جهة ثانية. لقد بيّنت هذه الدراسة أنّ على الموسيقولوجيّ أن يتسلّح بمعارف منهجيّة متطوّرة جدّا. فالموسيقولوجيا هي بمثابة القيادة الفلسفيّة التي تتقدّم من أجل الفهم والإقرار بالفعل الموسيقي. كلّ هذا يتطلّب بطبيعة الحال تجربة موسيقية هامّة واطّلاعا كبيرا في مستوى المعارف، ليس في مجالات العلوم الإنسانية فحسب، بل كذلك في العلوم المسمّاة بالصحيحة.
إنّ التموقع في الاختصاص الموسيقولوجي أو الاثنوموسيقولوجي أو الأنتروبولوجي أو في غيرها من الاختصاصات، يتوقّف على نظرة الباحث إلى الموسيقى المعنيّة بالبحث وكذلك كيفيّة تفسيرها وإثبات الحجّة في شأنها. فنحن اليوم مطالبون بالدخول في تجربة هامّة تشتغل على تطوير فكرة الفعل الصوتي من خلال الصوت في حدّ ذاته، هذا الصوت الذي يمثّل أحد العناصر المحدّدة لكلّ موسيقات العالم وفي كلّ الحضارات. كما أنّنا نعي جيّدا أنّ التجربة مغرية جدّا، ونعرف أنّ المغامرة ممكنة وليست مستحيلة، ورغم أنّنا واعون بأنّ الغموض الموسيقي سيبقى ساكنا في تصوّرنا وفي أبحاثنا المستقبليّة، إلاّ أنّنا ارتأينا، ومن خلال هذه الدراسة، ضرورة رفع اللّثام عن المسأليّة الموسيقولوجيّة، بشكل مستفاض أو غير مستفاض، موفق أو غير موفق، هذا ما سيثبته التاريخ.
القائمة البيبليوغرافيّة
باللغة العربيّة
- (الـــ) أنطاكي، محمد، د.ت : دراسات في فقه اللغة، بيروت، دار الشرق العربي.
- بديع إيميل، يعقوب، 1982 : فقه اللغة العربية وخصائصها، ط. 1، بيروت، دار العلم للملايين.
- بشة، سمير، 2012 : الهوية والأصالة في الموسيقى العربية، تونس، منشورات كارم الشريف.
- بشة، سمير، 2013 : أنطلوجيا الفنون الغنائيّة الركحية في تونس بين ظاهرتي التثاقف والمثاقفة (1856-1998)، دراسة تحليليّة موسيقية مشهدية، منوبة، مركز النشر الجامعي.
- بشة، سمير، 2014 : “ملابسات الخطاب الموسيقولوجي من خلال أشغال “فيتيس” و”أدلار”، الخطاب الموسيقي وسؤال الهوية، أشغال الندوة العلميّة لوحدة بحث تحليل الخطاب الموسيقي بإشراف الأسعد الزواري، صفاقس، المعهد العالي للموسيقى.
- (الـــ)سيالة، مراد، 2007 : الأسس العامة للإثنوموزيكولوجيا، صفاقس، المعهد العالي للموسيقى.
- قطاط، محمود، 2005 : “واقع الموسيقى العربيّة وتحديات العصر”، التراث والموسيقى، المجلة العربيّة للثقافة، ع. 48، المنظمة العربيّة للتربية والثقافة والعلوم.
- قطاط، محمود، 2008 : “التراث الموسيقي العالمي”، المقامات المشرقية في الموسيقى التونسية المعاصرة، تصدير كتاب للأسعد الزواري، تونس، مركز النشر الجامعي.
- قطاط، محمود، 2007 : [علم الموسيقى والعلوم المساندة]، محاضرة مرقونة موضوعة على ذمّة الباحثين قدّمت في إطار ماجستير العلوم الثقافيّة، مادة فيلولوجيا الموسيقى، المعهد العالي للموسيقى بتونس.
- مهني، منصور، 2014 : “في تعريف الإبراخيليا وفي تطبيقاتها”، Brachylogia ، الرابط.
- ناتي، جون جاك، 2011 : تمجيد الموسيقولوجيا، تر. سمير بشة، تونس، منشورات كارم الشريف.
باللغة الفرنسيّة
-
- Adler, Guido, 1885 : « Umfang, methode und ziel der musikwissenschaft », Yearbook for Traditional Music, vol. 13, lien, p. 1-21.
-
- Aubert, Eduardo Henrik, 2010 :« L’anthropologie historique par le détour de la musicologie : une ethnomusicologie historique du Moyen Âge est-elle souhaitable ? », Conserveris mémorielle, revue transdisciplinaire des jeunes chercheurs, lien.
-
- Becha, Samir, 2015 : La musicologie face au mystère musical, Tunis, Karem Sharif Éditions.
-
- Compos, Remy, 2006 : « Philologie et sociologie de la musique au début du XXe siècle, Pierre Aubry et Jule Combarieu », n° 14, Revue d’Histoire des sciences humaines, lien.
-
- Diamond, Beverly, 2006 : « Ethnomusicologie », Encyclopédie de la musique canadienne, lien.
-
- Duckles, Vincent & Pasler, Jan, 2005 : « The nature of musical and musicology as a science », New Grove Dictionary of Music and Musicians, Oxford University Presse, version numérisée.
-
- Haraszti, Emile, 1932 : « Fétis fondateur de la musicologie comparée. Son étude sur un niveau mode de classification des races humaines d’après leurs systèmes musicaux », Contribution à l’œuvre de Fétis, Acta Musicologica, Vol. 4, Fasc. 3, Published by International Musicological Society, (Jul-Sep., 1932), JSTOR, lien, pp. 97-103.
-
- Solomos, Makis & Grabocz, Marta, 2011 : « New Musicology. Perspectives critiques», Musique, esthétique, science, société, en ligne, lien.
-
- Merriam, Alan. P, 1964 : The anthropology of music, Illinois, Northwestern University Press.
-
- Molino, Jean, 2009 : Le singe musicien. Sémiologie et anthropologie de la musique, Paris, Actes Sud/INA.
-
- Nattiez, Jean-Jacques, 2006 : « Ethnologie, ethnomusicologie », Encyclopédie Universalis, France, CD-ROM.
-
- Nattiez, Jean-Jacques, 2010 : Apologie et le discours. Apologie de la musicologie, Québec, Fides.
-
- Popper, Karl, 2000 : [La logique de la découverte scientifique, quel rapport pour les sciences de gestion ?], par Gaël Le Boulch, Version rédigée de la présentation du séminaire d’Epistémologie de l’Ecole Doctorale de Gestion de l’Université Paris IX Dauphine, Centre de Recherche Economique Pure et Apliquée (CREPA), p. 1-23.
- Weber, Edith, 1980 : La recherche musicologique. Objet méthodologique, normes de présentation, Paris, Beauchesne.
سمير بشة. موسيقى وجامعي، أستاذ محاضر في الموسيقى والعلوم الموسيقيّة، جامعة تونس، المعهد العالي للموسيقى.